يشهد الشرق الأوسط تحوّلًا كبيرًا نحو التحوّل الرقمي، حيث تتبنى الحكومات والمؤسَّسات التجارية التكنولوجيا الجديدة لتعزيز النمو الاقتصادي والابتكار. وتقود الطريق دول مثل الإمارات العربية المتحدة، والمملكة العربية السعودية، وقطر، والتي أطلقت مبادرات رقمية طموحة. والدول الأخرى في المنطقة تحرز أيضًا تقدّمًا من خلال الاستثمار في الذكاء الاصطناعي، والحوسبة السحابية، والبنية التحتية الذكية. ومع ذلك، وعلى الرغم من هذه التطوّرات، تظل هناك تحديّات.
والتحوّل الرقمي لا يعد تشكيل المنظّمات فحسب، بل يفتح أيضًا المجال أمام الأفراد ليعزِّزوا حياتهم المهنية، ويكتسبوا الخبرة في المجالات الناشئة، ويظلوا تنافسيين في سوق العمل السريع في عصرنا الحالي.
وتستكشف هذه المقالة مشهد التحوّل الرقمي في الشرق الأوسط، والصعوبات التي يواجهها، والفرص التي يطرحها، وكيفيّة استفادة الأفراد من هذه التغييرات لتعزيز نموهم الشخصي.
يعتبر التحوّل الرقمي جزءًا أساسيًّا من جهود التنويع الاقتصادي في الشرق الأوسط، وخصوصًا للدول التي تعتمد على الإيرادات النفطية. وتطرح الدول استراتيجيّات وطنية لدفع النمو الرقمي:
وتعكس هذه المبادرات التزامًا جماعيًّا ببناء الاقتصاد القائم على المعرفة المدعوم بالتكنولوجيا المُتطوِّرة. ومن المُتوقَّع أن تصل قيمة الإنفاق على تكنولوجيا المعلومات في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا إلى 230.7 مليار دولار بحلول عام 2025، مما يبرز تركيز المنطقة على الابتكار الرقمي.
على الرغم من التقدم الكبير المُحرز، تحول عدة عقبات من التحوّل الرقمي السلِس في الشرق الأوسط. ومع ذلك، تطرح أيضًا هذه التحديّات فرصًا للأفراد ليحقِّقوا النمو من خلال اكتساب المهارات والشهادات المناسبة.
مع تزايد الاعتماد على التكنولوجيا الرقمية، يزداد التعرّض للتهديدات السيبرانية. وقد شهدت المنطقة تصاعدًا في الهجمات السيبرانية التي تستهدف البنية التحتية الأساسية، والمؤسَّسات المالية، والأنظمة الحكومية. ومن المهم جدًا تعزيز أطر الأمن السيبراني وتحقيق التوافق مع المعايير العالمية مثل معيار ISO/IEC 27001 للتخفيف من هذه المخاطر.
وبالإضافة إلى ذلك، الامتثال للقوانين الناشئة لحماية البيانات، مثل نظام حماية البيانات الشخصية في المملكة العربية السعودية وقانون حماية البيانات في دولة الإمارات العربية المتحدة، يتسبَّب في مزيد من التعقيد للمؤسَّسات التجارية التي تعمل في ولايات قضائية مُتعدِّدة.
الطلب على المُتخصِّصين الماهرين في الذكاء الاصطناعي، والأمن السيبراني، وتحليل البيانات يتجاوز بكثير الإمكانيّات المتاحة. فعلى سبيل المثال، يتزايد تبني الذكاء الاصطناعي بمُعدَّل سنوي قدره 32% في الشرق الأوسط وإفريقيا، ولكن تواجه العديد من المنظّمات صعوبات في العثور على المواهب التي تتمتَّع بالخبرة اللازمة. وتشدِّد المبادرات الحكومية على تطوير القوى العاملة، ولكن هناك حاجة إلى مزيد من الاستثمار في برامج تطوير المهارات والشراكات مع المؤسَّسات التعليمية.
تختلف الأطر التنظيمية عبر المنطقة اختلافًا كبيرًا، مما يخلق تحديّات للعمليّات الرقمية العابرة للحدود. وفي حين أنَّ دول مثل الإمارات العربية المتحدة لديها سياسات مُتطوِّرة تدعم الحوسبة السحابية والسيادة على البيانات، تتخلَّف بعض الدول الأخرى عن الركب، مما يصعِّب على الشركات مُتعدَّدة الجنسيّات توحيد استراتيجيّاتها الرقمية. وقوانين توطين البيانات، والتي تتطلَّب من المؤسَّسات تخزين البيانات داخل الحدود الوطنية، تحد أيضًا من تبني الحوسبة السحابية والتبادل العالمي للبيانات.
تستفيد المراكز الحضرية، مثل دبي، والرياض، والدوحة، من قدرات الاتصال المُتطوِّرة، وشبكات الجيل الخامس 5G))، ومبادرات المدن الذكية، ولكن لا تزال المناطق الريفية والمدن الصغيرة تعاني من الوصول المحدود إلى الإنترنت عالي السرعة والخدمات السحابية. ومن المهم جدًا توسيع البنية التحتية لشبكات النطاق العريض، وقدرات الحوسبة السحابية، وقدرات الاتصال بإنترنت الأشياء لتحقيق النمو الرقمي الشامل. وتستثمر الحكومات في الإنترنت الفضائي وشبكات الالياف الضوئية، ولكن هناك حاجة إلى مزيد من الجهود لسد الفجوة.
في معظم الأحيان، تقاوم النماذج التقليدية للأعمال التغيير الرقمي بسبب الجمود التنظيمي، وانعدام الدعم من القيادة، والخوف من انقطاع العمليّات. والعديد من القطاعات، وخصوصًا القطاع الحكومي، والقطاع البنكي، وقطاع الرعاية الصحية، تعمل بأنظمة قديمة وتتردَّد في تبني الأتمتة القائمة على الذكاء الاصطناعي أو الحلول القائمة على الحوسبة السحابية. وإنَّ تشجيع طريقة التفكير التي “تعطي الأولوية للتوجّه الرقمي”، وتنفيذ استراتيجيّات إدارة التغيير، وإظهار عائد الاستثمار من التحوّل الرقمي يمكنه المساعدة في التغلّب على هذه العوائق.
إنَّ تنفيذ الذكاء الاصطناعي، وإنترنت الأشياء، والحوسبة السحابية، وتقنية سلسلة الكتل (Blockchain) يتطلَّب استثمارًا ماليًّا كبيرًا. وفي حين أنَّ الشركات الكبرى تتمتَّع بالموارد اللازمة لتبني الحلول الرقمية، المؤسَّسات الصغيرة والمُتوسِّطة — والتي تشكِّل جزءًا كبيرًا من اقتصاد الشرق الأوسط — تواجه، في معظم الأحيان، صعوبة لتحمّل التكاليف المرتفعة للتحوّل. والمبادرات الحكومية، مثل برامج التمويل والحوافز الضريبية لتبني التكنولوجيا، يمكنها مساعدة المؤسَّسات التجارية في التحوّل إلى المنصّات الرقمية بتكلفة معقولة أكثر.
يتطلَّب التحوّل الرقمي مراكز بيانات، وحوسبة سحابية، وعمليّات قائمة على الذكاء الاصطناعي، وكل ذلك يتطلَّب استهلاكًا مرتفعًا للطاقة. ومع التزام دول الشرق الأوسط بمبادرات الاستدامة، مثل مبادرة السعودية الخضراء واستراتيجية الإمارات للحياد المناخي 2050، يظل تحقيق التوازن بين التوسع الرقمي والأهداف البيئية تحديًا. وهناك حاجة إلى مزيد من الاستثمار في مراكز البيانات الخضراء، والحلول السحابية الموفِّرة للطاقة، والإدارة القائمة على الذكاء الاصطناعي للطاقة لتحقيق النمو الرقمي المُستدام.
الحلول والفرص لتحديّات التحوّل الرقمي
يجب على المنظّمات تبني نهج استباقي للأمن السيبراني من خلال تنفيذ معايير مُعترف بها عالميًّا، مثل معيار ISO/IEC 27001 وأطر NIST (المعهد الوطني للمعايير والتكنولوجيا). وينبغي لها الاستثمار في الأنظمة المُتطوِّرة لاكتشاف التهديدات، وبرامج التدريب على الأمن السيبراني، واستراتيجيّات الاستجابة للحوادث للتخفيف من المخاطر بفعالية.
وإنَّ الطلب المُتزايد على حلول الأمن السيبراني يطرح الفرص لشركات الأمن السيبراني الإقليمية والعالمية لتوسِّع نطاق تواجدها في الشرق الأوسط. وبالإضافة إلى ذلك، التعاون بين الحكومات والمؤسَّسات الخاصة يمكنه تعزيز الابتكار في تكنولوجيا الأمن السيبراني، بما في ذلك اكتشاف التهديدات القائم على الذكاء الاصطناعي وحلول الأمن القائمة على تقنية سلسلة الكتل (Blockchain).
ينبغي للحكومات والمنظّمات توسيع الاستثمار في برامج تطوير المهارات وإعادة تشكيل المهارات في مجال الذكاء الاصطناعي، والأمن السيبراني، وتحليل البيانات. وإقامة الشراكات بين الجامعات، وقادة القطاع الخاص، والشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا يمكنه تسريع تطوير المهارات الرقمية من خلال برامج الشهادات، والدورات عبر الإنترنت، والتدريب العملي.
ويطرح الطلب على المهارات الرقمية فرصةً كبيرة لمنصّات التعلّم الإلكتروني، ومؤسَّسات التدريب المهني، ومُقدِّمي الخدمات التعليمية الدوليين لتقديم البرامج المُخصَّصة للمهارات الرقمية المُصمَّمة لتلبية الاحتياجات الإقليمية. والمؤسَّسات التجارية التي تستثمر في تطوير المواهب ستكتسب ميزة تنافسية في الاقتصاد الرقمي.
إنَّ تحقيق التوافق بين السياسات الرقمية عبر الشرق الأوسط يمكنه تسهيل العمليّات الرقمية العابرة للحدود. وينبغي للحكومات العمل على تحقيق التوافق التنظيمي الإقليمي من خلال وضع أطر رقمية وإرشادات امتثال مُوحَّدة تضمن أداء عمليّات الأعمال بسلاسة مع حماية السيادة على البيانات.
ويمكن لمكاتب المحاماة والمكاتب الاستشارية المُتخصِّصة في الامتثال التنظيمي والحوكمة الرقميّة تقديم خدماتها إلى المؤسَّسات التجارية التي تتعامل مع لوائح مُعقَّدة. وبالإضافة إلى ذلك، البيئة التنظيمية الأكثر اتساقًا ستشجِّع الاستثمارات الأجنبية وتدفع الابتكار في التجارة الرقمية والحوسبة السحابية.
لضمان التحوّل الرقمي العادل، ينبغي للحكومات زيادة الاستثمارات في توسيع شبكات النطاق العريض، وشبكات الجيل الخامس 5G))، والبنية التحتية للحوسبة السحابية. وبإمكان الشراكات بين القطاعين العام والخاص تسريع نشر شبكات الالياف الضوئية والإنترنت الفضائي، وتحديدًا في المناطق التي تُقدَّم لها خدمات غير كافية.
ويطرح توسيع البنية التحتية فرصًا لمُقدِّمي خدمات الاتصالات، وشركات الخدمات السحابية، ومُقدِّمي حلول إنترنت الأشياء. ويمكن أيضًا لقدرات الاتصال المُعزَّزة في المناطق الريفية دعم نمو التكنولوجيا الزراعية، والعلاج الطبي عن بُعد، والتجارة الإلكترونية، مما يعزِّز التنمية الاقتصادية.
يجب على المنظّمات تعزيز الثقافة التي تعطي الأولوية للتوجّه الرقمي من خلال تنفيذ استراتيجيّات إدارة التغيير، والتدريب في مجال القيادة، ومبادرات إشراك الموظَّفين. ويمكن، من خلال عرض دراسات الحالة الناجحة وتقديم الحوافز لتبني التكنولوجيا الرقمية، المساعدة في التخفيف من مقاومة التحوّل.
ويمكن للشركات التي تقدِّم الاستشارات في مجال التحوّل الرقمي، وتدريب القيادات، وحلول برامج الشركات أن تؤدّي دورًا أساسيًّا في توجيه المؤسَّسات التجارية خلال عملية تطوّرها الرقمي. والقطاعات، مثل القطاع المصرفي، وقطاع الرعاية الصحية، وقطاع الخدمات الحكومية، سوف تستفيد استفادةً كبيرة من الأتمتة والحلول القائمة على الذكاء الاصطناعي.
ينبغي للحكومات والمؤسَّسات المالية تقديم الدعم المالي، والحوافز الضريبية، والتمويل منخفض الفائدة للمؤسَّسات الصغيرة والمُتوسِّطة التي تستثمر في الحلول الرقمية. وبالإضافة إلى ذلك، النماذج القائمة على الحوسبة السحابية ونماذج الخدمة (البرامج كخدمة (SaaS)، والمنصّة كخدمة (PaaS)، والبنية التحتية كخدمة (IaaS)) توفِّر خيارات فعّالة من حيث التكلفة لتبني التكنولوجيا دون إجراء استثمارات كبيرة بشكل مُسبق.
ويمكن للشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا المالية، ومُقدِّمي الخدمات السحابية، ومورِّدي حلول تكنولوجيا المعلومات الاستفادة من الطلب المُتزايد على الحلول الرقمية الميسورة التكلفة. وإنَّ النماذج الناشئة للتكنولوجيا كخدمة (TaaS) تمكِّن المؤسَّسات التجارية من توسيع العمليّات دون تحمّل أعباء مالية ثقيلة، مما يعزِّز النمو الاقتصادي.
ينبغي للشركات أن تعطي الأولوية لمراكز البيانات المُوفِّرة للطاقة، ودمج الطاقة المُتجدِّدة، والأنظمة القائمة على الذكاء الاصطناعي لإدارة الطاقة، وذلك لتقليل البصمة الكربونية. وبإمكان الحكومات تطبيق لوائح الاستدامة مع تقديم الحوافز للمؤسَّسات التجارية التي تتبنى التكنولوجيا الخضراء.
ويطرح التحوّل نحو الاستدامة فرصًا للشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا الخضراء، وشركات الطاقة المُتجدِّدة، ومُقدِّمي خدمات الحوسبة السحابية المُستدامة. والاستثمارات في مراكز البيانات التي تعمل بالطاقة الشمسية، والترشيد القائم على الذكاء الاصطناعي لاستهلاك الطاقة، وممارسات الاقتصاد الدائري يمكنها وضع المنطقة في موضع الريادة في مجال التحوّل الرقمي المُستدام.
تؤدّي PECB دورًا أساسيًّا في دعم المؤسَّسات التجارية والمهنيين في رحلة التحوّل الرقمي من خلال الشهادات وبرامج التدريب المُعترف بها عالميًّا. وفيما يلي كيفية تقديم PECB للمساعدة:
من خلال الاستفادة من خبرات PECB، يستطيع المهنيون تعزيز مهاراتهم، ودفع الابتكار، وقيادة التحوّل الرقمي المُستدام في المشهد التكنولوجي الآخذ في التعقيد.
يطرح التحوّل الرقمي في الشرق الأوسط تحديّات وفرصًا في نفس الوقت. وفي حين أنَّ مخاطر الأمن السيبراني، وعدم الاتساق التنظيمي، والنقص في المهارات لا يزال موجودًا، الاستثمارات الاستراتيجيّة في الابتكارات القائمة على الذكاء الاصطناعي، وحلول التكنولوجيا المالية، والمدن الذكية، والحوسبة السحابية تطرح سبلًا واعدة للنمو. ومن خلال مواجهة هذه التحديّات بالاستراتيجيات مُحدَّدة الأهداف وبرامج التدريب والشهادات، يستطيع المهنيون والمنظّمات تأمين مكانهم كروّاد في هذا المشهد سريع التطوّر.
ابدأ رحلة التحوّل الرقمي اليوم مع شهادات PECB المُعترف بها عالميًّا.
Share
